ثمة أشكال مختلفة من الهانوك هذه الأيام، ابتداء من البيوت القديمة التي تحافظ على جوهر العمارة التقليدية مرورا بالبيوت الحضرية التي بُنيت خلال الفترة ما بين الثلاثينيات والسبعينيات من القرن الماضي وصولا إلى البيوت الحديثة التي تم وضع تصميمها الداخلي ليتناسب مع أساليب الحياة الجديدة. بالإضافة إلى ذلك، هناك تجارب إبداعية عديدة تحاول تطبيق جوهر الهانوك التقليدي على الهيكل الحديث.

يقع هذا البيت في حي تشون يون غربي سيول وتم بناؤه عن طريق تجديد بيت الهانوك الحضري الذي بُني في الثلاثينيات من القرن الماضي. وتحول جزء من الفناء إلى غرفة جلوس ذات سقف زجاجي.
© باك يونغ-تشاي

كانتالمدن الكورية تزدحم ببيوت الهانوك حتى فترة ما بين الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، إلا أن بيوت الهانوك أصبحت مهدَّدة بالانقراض بعد ظهور المجمعات السكنية الكبيرة والمنازل الحديثة التي حلت محلها. لكن في هذه الأيام، يزداد عدد المسافرين والسياح الذين يفضّلون الإقامة في الفنادق التي بُنيت على طراز الهانوك التقليدي على الإقامة في الفنادق الحديثة التي بُنيت على الطراز الغربي. كما أن كثيرا من الكوريين يعتبرون المقاهي في مباني الهانوك أكثر أناقة من المقاهي الموجودة في المباني العادية. ويحلم كثير من المتزوجين حديثا بأن يعيشوا الحياة البطيئة في بيوت الهانوك، حيث يمكن أن يلعب أطفالهم في الفناء ("مادانغ" بالكورية) الذي تصله أشعة الشمس.

إن الفناء أحد العناصر الجاذبة في الهانوك، فهو مكان متعدد الوظائف يمكن استخدامه للأنشطة المتنوعة. وفيه يمكن الشعور بتغير الفصول الأربعة والقيام ببعض الأعمال المنزلية أو الأنشطة الأخرى لقضاء أوقات الفراغ. كما أن المواد التي تُستخدم لبناء الهانوك تثير الاهتمام الكبير. ويمكن تعريف الهانوك باختصار على أنه "بيت ذو فناء يُبنى من الخشب والحجر والورق". بعبارة أخرى فإنه يُبنى كجزء من الطبيعة، التي تزداد أهميتها في عصرنا الحالي. ومن العناصر الجاذبة الأخرى في بيوت الهانوك الغرف والصالة ذات الأرضية الخشبية المسماة بـ"مارو". و"مارو" هو مكان مفتوح، بينما الغرف تكون مغلقة، فهي مكان شخصي يوفر الراحة للمقيمين فيه. ويمكن القول إن "مارو" مكان مصمّم لفصل الصيف والغرف مصمّمة لفصل الشتاء. وأعتقد أن الانسجام بين هذين المكانين المختلفين بعضهما عن بعض يشير إلى مدى إبداع الهانوك وقيمته المعمارية.

ويشهد الهانوك اليوم تغيرات مستمرة ليضمّ إليه التقنيات المعمارية الحديثة في القرن الحادي والعشرين وليتناسب مع أساليب الحياة الحديثة للناس في هذا العصر وثقافتهم الجديدة. ونتيجة لذلك، ظهرت أشكال جديدة من بيوت الهانوك في شتى أنحاء كوريا، ومنها بيوت الهانوك الحديثة التي تتناسب مع أنماط الحياة الحديثة، وبيوت الهانوك الهجينة التي طُبقت عليها أساليب البناء المتنوعة، والبيوت التي بُينت على الطراز الغربي لكنها تقوم على عناصر الهانوك التقليدية. وفي هذه المقالة، أود أن أتحدث عن بعض الجوانب المهمة لتطوّر الهانوك من خلال مراجعة بعض المشاريع التي أجريتُها مع زملائي بصفتي مهندسا معماريا.

التوافق مع الحياة الحديثة
بُني هذا البيت عام ١٩٣٩ في حي تشون يون غربي العاصمة الكورية سيول وكان مهجورا خلال سنوات عديدة. وكان جزء من سقفه مفقودا، لكن البيت عموما كان بحالة جيدة، وهيكله متينا، مما يشير إلى المهارة العالية المستوى للمهندس الذي بناه. كان علينا تجديد هذا البيت القديم من أجل العائلة التي تتكون من خمسة أفراد، غير أن مساحته لا تكفي لتوفير الأماكن التي يحتاجون إليها. وفي البداية، خططنا لتفكيك جزء منه وجعل غرفة نوم الزوجين وغرفة الجلوس في الطابق السفلي، إلا أن هذه الخطة لم تكن مناسبة لتلبية احتياجات هذه العائلة التي اختارت هذا البيت بسبب الفناء وأجوائه التقليدية.

فكّرنا في طريقة تحويل البيت إلى مكان يوفر الراحة ويتناسب مع أنماط الحياة المختلفة مع الحفاظ على طبيعته كهانوك. وقررنا تحويل الصالة المكشوفة ذات الأرضية الخشبية إلى مطبخ وغرفة طعام، وجعل جزء من الفناء غرفة جلوس. ومن الطبيعي أن يكون المطبخ وغرفة الطعام مركزا للحياة الأسرية إلا أن تحويل الفناء، الذي يُعد جوهر الهانوك الحضري، إلى غرفة جلوس يُعد أمرا غير طبيعي ويخالف العادات والتقاليد. مع ذلك، فعلناه لأننا نعتقد أن الفناء الذي حولناه إلى غرفة جلوس ذات سقف زجاجي يعطي فرصة لأفراد العائلة للتمتع بأجواء الهانوك الفريدة من نوعها. كما أننا وضعنا الستائر الخارجية للتحكم في أشعة الشمس وأضفنا الأرضية الخشبية على طول حواف الأساس الحجري للجلوس والاستلقاء عليها.

كانت عملية التجديد لهذا البيت بمثابة عملية تحقيق الانسجام بين الماضي والحياة التي نعيشها اليوم. وخفّضنا ارتفاع الأرضية قليلا لكي يتمكن ساكن البيت الطويل من التحرك بسهولة ويسر دون أية عوائق، وفكّكنا النوافذ القديمة بشكل جزئي وأصلحناها باستخدام المواد الجديدة. وأزلنا الأرضية المغطاة بالبلاط لإصلاح مجاري الصرف الصحي، وأعدنا البلاط إلى مكانه واحدة تلو الأخرى بعد إكمال الإصلاح. بذلنا أكبر جهد ممكن في تحويل المطبخ إلى الحمام. وتركنا الخزانة العلوية على حالها لاستخدامها كخزانة في الحمام، ووضعنا فيه حوض الاستحمام المصنوع من الفولاذ المقاوم للصدأ بعد صقله، وهذا الحوض كان موجودا في الفناء.

منذ العشرينيات من القرن الماضي، شهدت كوريا الجنوبية التحضر السريع الذي أدى إلى الاكتظاظ السكاني في المدن الكورية. ولتلبية الطلب المتزايد على المساكن، بدأ الكوريون تقسيم الموقع الواسع إلى قطع صغيرة عديدة وبنوا بيوت الهانوك عليها وأطلقوا عليها اسم "الهانوك الحضري". عادة ما تُبنى بيوت الهانوك الحضري على شكل مربع وتم إنشاء الفناء الداخلي في الوسط، خلافا لبيوت الهانوك التقليدية التي تتسم بوجود المباني المختلفة، مثل المبنى الخارجي والمبنى الداخلي ومبنى الخدم. يمكننا أن نشعر بجمال الهانوك القديم في هذا البيت الذي يتخذ شكلا مربعا.
© باك يونغ-تشاي

يقع بيت "نانغ ناك هون" في قرية وون بيونغ للهانوك. ويربط السُّلّم بين الطابق الأول الذي هيكله حديث والطابق الثاني الذي بُني على طراز الهانوك التقليدي. ويشير هذا البيت الذي يضم مكانين مختلفين في الوظيفة والطبيعة، إلى أسلوب جديد للهانوك الحديث.
© آن هونغ-بوم

الأسلوب الجديد
يقع بيت "نانغ ناك هون" في وسط قرية "وون بيونغ" للهانوك الواقعة على سفح جبل بوكهان في سيول، وبجواره توجد أرض رطبة تعيش فيها الضفادع ذات الفم الصغير وشجرة الزلكوفا الطويلة. في البداية، خططنا لبناء البيت على شكل المربع، يكون أحد جوانبه مفتوحا مثل بيوت الهانوك الحضري، إلا أن هذا التصميم الموجّه نحو الداخل لا يتناسب مع عملائنا الذين يريدون التمتع بالمناظر الخارجية وهم في بيتهم. لذلك، غيرنا التصميم وصممنا الطابق الثاني ليتكوّن من غرفة طعام على شكل صالة مفتوحة ذات أرضية خشبية "نو مارو"، وقاعة مكونة من ثلاثة أجنحة وغرفة نوم وحمام لكي يستمتع عملاؤنا فيها جميعا بالمناظر الخارجية الجميلة.

ويمثل هذا البيت اعتقادنا بأن الهانوك جزء مهم من العمارة الحديثة. وحاولنا تطبيق عناصر العمارة التقليدية على العمارة الحديثة لصنع منزل تقليدي يتناغم مع الحياة المعاصرة، وقمنا بتجربة جديدة بصنع بيت يتعايش فيه المكانان اللذان يختلف أسلوب كل منهما عن الآخر. فعلى سبيل المثال، وضعنا الأعمدة من الخرسانة لتوفير مكان لإنشاء مدخل البيت وموقف السيارات اللذين لا يوجدان في بيوت الهانوك التقليدية. وقسّمنا الطابق الأول إلى مستويات مختلفة باستخدام السلالم والأبواب الزجاجية والفناء المنخفض ليكون مكان الإقامة ذا أسلوب حديث خلافا للطابق الثاني.

الهانوك للمستقبل
يقع بيت "بازو كي" في المجمع السكني المكون من فِلَل منفردة. والذي طلب منا تصميم هذا البيت هو الزوجان اللذان يحلمان منذ مدة طويلة ببناء "منزل حديث له خصائص الهانوك". وبناء على طلبهما، رتّبنا الأماكن لتصل أشعة الشمس إليها جميعا بسهولة، ووضعنا غرفة نوم الزوجين وغرفة الجلوس وغرفة الطعام والمطبخ بشكل مستقيم وأضفنا البيت الزجاجي وغرفة التخزين أمام غرفة الطعام. ونتيجة لذلك، أصبح شكل البيت مستطيلا يتناسب مع شكل قطعة الأرض المستطيلة التي تمتد من الشرق إلى الغرب التي بُني عليها البيت. وفي هذا البيت، يمكن التمتع بتغير الفصول الأربعة تحت أشعة الشمس الدافئة.

وأنشأنا غرفة الجلوس باستخدام الأعمدة والدعائم المصنوعة من الخشب الثقيل، لأننا أردنا إنشاء مكان فسيح حدوده غير واضحة، ويمكن الشعور فيه بالأناقة والجمال التقليدي فضلا عن الراحة. وقد أخفينا إطارات النوافذ الزجاجية خلف الأعمدة والدعائم الخشبية واستخدمنا النوافذ الشفافة في الجزء العلوي للتأكيد على الخط الذي تشكله الدعائم الخشبية المعلقة على السقف. لذلك، إذا دخلتَ غرفة الجلوس هذه شعرتَ كأنك في صالة مفتوحة في أحد البيوت الكورية التقليدية.

هذا المنزل ليس مجرد نسخة مقلَّدة من الهانوك بُنيت بتقنيات حديثة، لأننا أخذنا بعين الاعتبار وجود الفناء منذ البداية وبنيناه عن طريق تحقيق الانسجام بين العناصر الجمالية التقليدية والعناصر المكانية الحديثة. لذلك، يمكن القول إن هذا المنزل يشير إلى كيفية تطور الهانوك في المستقبل. عندما أخبرَنا الزوجان اللذان انتقلا إلى بيتهما بعد انتهاء عملية الإنشاء بأنهما يشعران كأنهما يعيشان في الهانوك، شعرنا بالاعتزاز لأننا نجحنا في إنشاء منزل جميل مريح يحمل عناصر الهانوك الأصلية كما أردنا.

لا يُعد بيت "بازو كي" الذي يقع في المجمع السكني المكون من الفِلَل المنفردة من بيوت الهانوك إلا أنه يحمل بعض خصائصها. يناسب شكله المستطيل موقعه المستطيل الذي يمتد من الشرق إلى الغرب، ويوفّر مكانا ممتعا يمكن التمتع فيه بتغير الفصول الأربعة تحت أشعة الشمس الدافئة.
© باك يونغ-تشاي

من الأماكن التي تثير الاهتمام الخاص، غرفة الجلوس التي بُنيت باستخدام الأعمدة والدعائم المصنوعة من الخشب الثقيل لتكون مكانا فسيحا يمكن الشعور فيه بالانفتاح، مثل الصالة المفتوحة الموجودة في البيوت الشعبية التقليدية.
© باك يونغ-تشاي

هذا هو مبنى الإدارة لمركز هادونغ لثقافة الهانوك الواقع في بلدة هادونغ التي كانت مسرحا للرواية المشهورة "الأرض" التي كتبتها الكاتبة "باك غيونغ-ري". ويتسم هذا المبنى بمزج الهيكل الخشبي التقليدي والهيكل الخشبي الحديث الثقيل، خلافا لبيوت الهانوك العادية وينسجم بشكل جميل مع الطبيعة المحيطة به.
© باك يونغ-تشاي

الهانوك الهجين
يُعد منزل "تشامبان تشوي" الواقع في قرية بيونغ سا-ري في بلدة هادونغ من المعالم السياحية المشهورة في محافظة غيونغسانغ الجنوبية. وبُني هذا المنزل لتصوير المسلسل التلفزي المبني على الرواية المشهورة "الأرض" التي كتبتها الكاتبة الروائية "باك غيونغ-ري" (١٩٢٦-٢٠٠٨م)، ووراءه يقع مركز هادونغ لثقافة الهانوك الذي يمكن للسياح أن يقيموا في البيوت التقليدية فيه. وهذا المركز محاط بالمناظر الطبيعية الخلابة التي يشكلها نهر سومجين وسهل بيونغ سا-ري من الجنوب والجبال القريبة والبعيدة. ويتسم مبنى الإدارة بدمج الهيكل الخشبي التقليدي والهيكل الخشبي الحديث الثقيل، وينسجم مع الطبيعة المحيطة به ويحمل ميزات العمارة الحديثة بوضوح خلافا لبيوت الهانوك العادية.

وضعنا الباب المنزلق في مدخل هذا المبنى لاستخدام قاعة الاستقبال كصالة مفتوحة في الهانوك التقليدي، حيث يمكن رؤية منظر غابة الخيزران في الخارج بشكل مباشر. كما أن هيكل السقف في هذا المبنى بسيط بسبب عدم وجود الدعائم الخشبية السميكة، مما يزيد الشعور بالانفتاح. بعبارة أخرى فإننا حاولنا إنشاء الهانوك الهجين الذي يمتزج فيه جمال الهانوك التقليدي بانسجام مع المناظر الطبيعية المحيطة به والأساليب والتصميمات الحديثة. أتخيل مستقبل الهانوك كثيرا. ربما لن يُبنى الهانوك في المستقبل من الخشب رغم أن سقفه لا يزال من القرميد. أو ربما سيكون شيئا مختلفا تماما ليس له سقف قرميدي ولا هيكل خشبي.